مقدمة
عاشت الأمة الإسلامية بعد وفاة النبي محمد ﷺ مرحلة فاصلة من تاريخها، تمثلت في عهد الخلافة الراشدة، التي استمرت من سنة 11 هـ إلى 40 هـ، وجمع بين الحكمة، والعدل، والزهد، والجهاد، والحرص على مصلحة الأمة. فقد تولّى الخلافة أربعة من خيرة أصحاب النبي ﷺ، هم: أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين.
يمثل هذا العهد ذروة ما وصلت إليه الأمة الإسلامية من وحدة، وعدالة، وانتشار للدين، ونقاء في الممارسة السياسية، لذلك اعتبره العلماء والفقهاء المرجع الأعلى لنظام الحكم الإسلامي.
1. أبو بكر الصديق رضي الله عنه (11 – 13 هـ)
كان أول الخلفاء الراشدين، وثاني اثنين في الغار، وأقرب الناس إلى النبي ﷺ.
أبرز إنجازاته:
- حرب الردة: واجه المرتدين ومنع تمزق الدولة الإسلامية.
- جمع القرآن الكريم: في مصحف واحد حفاظًا على كلام الله بعد استشهاد عدد من القرّاء.
- تمهيد الفتوحات: أرسل الجيوش إلى العراق والشام استعدادًا لنشر الإسلام.
حكمه القصير كان حاسمًا في تثبيت أركان الدولة الإسلامية بعد وفاة النبي ﷺ.
2. عمر بن الخطاب رضي الله عنه (13 – 23 هـ)
لقّبه النبي ﷺ بـ”الفاروق”، وكان مثالًا في العدل والحزم.
أبرز إنجازاته:
- توسيع الدولة الإسلامية: فتح بلاد الشام، العراق، فارس، ومصر.
- التنظيم الإداري: أنشأ الدواوين، وبيت المال، ونظم القضاء، وفرض نظام الجباية.
- العدل والمراقبة: اشتهر بجولاته الليلية ومحاسبته للولاة.
في عهده، بلغت الدولة الإسلامية أوج قوتها وانتشارها.
3. عثمان بن عفان رضي الله عنه (23 – 35 هـ)
ذو النورين، وزوج ابنتي النبي ﷺ، وصاحب اليد السخية في خدمة الإسلام.
أبرز إنجازاته:
- نسخ القرآن الكريم: جمع الأمة على مصحف واحد بلغة قريش، حفظًا لوحدة الكلمة.
- الفتوحات الكبرى: واصلت الدولة توسعها إلى أرمينية، قبرص، وأجزاء من إفريقيا.
- الأسطول البحري الإسلامي: تأسس في عهده أول أسطول بحري للدولة الإسلامية.
رغم الإنجازات، واجه عثمان فتنة داخلية أدّت إلى استشهاده مظلومًا، لتبدأ مرحلة من التوتر في الأمة.
4. علي بن أبي طالب رضي الله عنه (35 – 40 هـ)
ابن عم النبي ﷺ وزوج ابنته فاطمة، أول من أسلم من الفتيان، وعَلَمٌ في الشجاعة والعلم.
أبرز إنجازاته:
- محاربة الفتنة: واجه الانقسام الداخلي بعد مقتل عثمان، وخاض معارك الجمل وصفين.
- تحكيم العقل والحق: دعا إلى الصلح وحقن الدماء رغم الصراعات.
- العدل والزهد: كان زاهدًا عادلًا، يحكم بين الناس بالحق، ويعيش عيشة البسطاء.
استشهد علي على يد الخوارج، واختتمت الخلافة الراشدة بوفاته.
خاتمة
تميّز عهد الخلافة الراشدة بأنه نموذج للحكم الراشد القائم على الشورى، والعدل، والرحمة، والحرص على مصالح الأمة. وهو العصر الذي لا تزال الأجيال الإسلامية تتطلع إليه كمرجعية مثالية لما يجب أن تكون عليه قيادة المسلمين.
وقد قال النبي ﷺ:
“عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي”
– رواه أبو داود والترمذي.
فلتكن هذه المرحلة النقية في تاريخنا الإسلامي مصدر إلهام لكل من يسعى إلى الإصلاح والعدل والقيادة الحكيمة.