صدق الشهيد يحيى السنوار عندما صرح قائلا “عملية الطوفان ستأكل الأخضر واليابس”.
في السابع من أكتوبر 2023، انطلقت عملية طوفان الأقصى كصرخة مدوّية من قلب غزة المحاصرة، أطلقتها كتائب القسام ورفاقهم في سرايا القدس ردًا على عقود من الاحتلال والظلم والتهجير. كانت العملية بداية مرحلة جديدة، ليس في تاريخ الصراع فحسب، بل في وعي الأمة والعالم.
الجرائم التي انكشفت أمام الجميع
لأول مرة، رأى العالم بلا رتوش ولا تزييف حقيقة الكيان الصهيوني التي حاول إخفاءها لعقود:
- قتل المدنيين العزّل دون تفرقة: نساء، أطفال، شيوخ، كلهم أهداف مباحة في عقيدة المحتل.
- تعذيب الأسرى بوحشية، وإذلالهم في مشاهد صادمة وثّقتها منظمات حقوقية.
- قصف المستشفيات مثل مستشفى الشفاء ومستشفى المعمداني، وقتل الأطباء والجرحى تحت الأنقاض.
- استهداف المدارس ومنها مدارس الأونروا التي احتمى بها النازحون، وتحويلها إلى مقابر جماعية.
- قصف المخيمات وحرقها مثل مخيم النصيرات ومخيم جباليا، حيث أحرقت الخيام على من فيها.
كل هذه الجرائم بُثت مباشرة على شاشات العالم، فلم يعد هناك مجال لإنكار بشاعة هذا الاحتلال.
الدرس الإنساني من قلب المقاومة
ورغم القصف والحصار ونقص الغذاء والدواء، قدّمت المقاومة الفلسطينية درسًا أخلاقيًا للعالم. فقد تعامل مجاهدو كتائب القسام مع الأسرى الإسرائيليين – الذين اغتصبوا أرضهم – برفق واحترام للإنسانية، وقد شهد بذلك بعض الأسرى أنفسهم أمام الإعلام بعد الإفراج عنهم، مؤكدين أنهم تلقوا علاجًا وغذاءً ومعاملة حسنة.
هذه الأخلاق الرفيعة ذكّرت الأمة الإسلامية الغافلة بما كان عليه الصحابة والتابعون في معاملة أسرى الحروب، حتى مع أعداء قاتلوهم. إنها صورة مشرقة من تاريخ الإسلام تُعاد في زمن كاد الناس ينسونها.
أثر الطوفان على العالم
هزّت عملية طوفان الأقصى موازين الوعي العالمي:
- كشفت للكثيرين أن القضية الفلسطينية ليست نزاعًا سياسيًا عابرًا، بل صراع بين احتلال غاصب وشعب حرّ.
- دفعت الملايين حول العالم للخروج في مظاهرات حاشدة، من نيويورك إلى لندن وجاكرتا.
- وضعت حكومات كبرى في مأزق أخلاقي أمام شعوبها، بعدما تبيّن حجم الأكاذيب الإعلامية التي كانت تغطي جرائم الاحتلال.
حكمة الله في المحنة
وسط الدمار والدماء، تتجلّى حكمة الله في مشهد لم يكن كثيرون ليتوقعوه. فالملايين حول العالم – من الغرب وغيرهم – بدأوا يتأثرون بما يرونه من صبر وثبات أهل غزة أمام مآسٍ عظيمة لا يتحملها بشر إلا من رسخ الإيمان في قلوبهم. صور الأمهات اللواتي يودعن أبناءهن بالتكبير، والأطفال الذين يبتسمون رغم فقدان كل شيء، أيقظت في قلوب غير المسلمين أسئلة عن سر هذه القوة الروحية، فكان مدخلًا لهم للتعرف على الإسلام والدخول فيه. وفي الوقت نفسه، جاء هذا كرسالة تذكير للمسلمين في كل مكان أن الإيمان ليس كلمات تردد، بل عمل وصبر وثبات، وأن الابتلاء قد يكون بابًا لفتح عظيم ورحمة واسعة من الله لعباده.
صبر غزة… وبشارة النصر
أهل غزة اليوم – بمجاهديها وشعبها – يجسدون الصبر والإقدام، يواجهون أقوى آلة حرب في المنطقة بلا جيش نظامي، لكن بإيمان عميق بأن النصر وعد الله لعباده:
“وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ” (الحج: 40)
إنها معركة فرّقت بين الحق والباطل، وأظهرت للعالم من هو الظالم ومن هو المظلوم، وذكّرت المسلمين في كل مكان بواجب نصرة قضيتهم الأولى، وأيقظت من كانوا في غفلة.
خاتمة
طوبى لأهل غزة، طوبى للمجاهدين الذين كتبوا بدمائهم وأخلاقهم ملحمة سيخلدها التاريخ. وما طوفان الأقصى إلا رحمة من الله بأمة أراد لها أن ترى الحق رأي العين، لتنهض من غفلتها، وتدرك أن النصر قادم لا محالة، يوم يأذن الله.
