فلسطين، تلك الأرض المباركة التي بارك الله حولها، كانت على مرّ العصور مهدًا للأنبياء، ومهوى لأطماع الغزاة. لكن الجرح الأكبر بدأ في القرن العشرين، حين اجتمعت خيانات الاستعمار مع أطماع الحركة الصهيونية لتغرس كيانًا غريبًا في قلب الأمة.
عام 1917، أصدر الاحتلال البريطاني “وعد بلفور” المشؤوم، مانحًا اليهود وطنًا لا يملكونه على أرض لا يملكونها. بدعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، متجاوزة حق أهلها الأصليين الذين عاشوا فيها قرونًا بسلام.
خضعت فلسطين للانتداب البريطاني عام 1920، فكان هذا الانتداب غطاءً شرعيًا لتسليح الصهاينة، وبناء المستوطنات، وقمع الانتفاضات الفلسطينية المبكرة مثل ثورة البراق 1929 والانتفاضة الكبرى 1936.
ثم جاءت نكبة 1948، الكارثة التي غيّرت وجه المنطقة، حيث اجتاحت العصابات الصهيونية – مثل الهاجانا والأرغون – المدن والقرى، وارتكبت أكثر من 70 مجزرة موثقة، أشهرها دير ياسين التي ذُبح فيها أكثر من 250 فلسطينيًا بينهم نساء وأطفال. أكثر من 750 ألف فلسطيني طُردوا من بيوتهم قسرًا، وتحوّلوا إلى لاجئين، بينما أُعلن قيام “إسرائيل” على أرضٍ مسروقة.
جرائم الاحتلال: سجل أسود لا ينتهي
منذ 1948 وحتى اليوم، تواصلت الجرائم الإسرائيلية بوتيرة لا تهدأ. الاحتلال لا يفرّق بين حجر وطفل، بين شيخ ومأذنة.
- حرب 1967 (النكسة): احتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، إضافة إلى القدس الشرقية. آلاف الفلسطينيين استُشهدوا، وموجة تهجير جديدة بدأت.
- مجازر متواصلة:
- صبرا وشاتيلا (1982): أكثر من 3000 شهيد ذُبحوا بدم بارد في مخيمات اللاجئين في لبنان، تحت حماية الاحتلال.
- مجزرة الأقصى (1990) والحرم الإبراهيمي (1994) وغيرها، كشفت وحشية الاحتلال ضد المقدسات.
- الحصار والجوع:
منذ عام 2007، يعيش قطاع غزة تحت حصار خانق شلّ الحياة، وحوّل أكثر من مليوني إنسان إلى سجن مفتوح. نقص الدواء، المياه الملوثة، انقطاع الكهرباء، وكل مقومات الحياة تُحرم منها غزة بقرار إسرائيلي مباشر. - العدوان المتكرر:
على مدار العقدين الأخيرين، شنت إسرائيل أكثر من 6 حروب على غزة، كان آخرها بعد طوفان السابع من أكتوبر 2023، وأسفرت عن عشرات آلاف الشهداء، بينهم آلاف الأطفال، ومجازر في كل حي وشارع ومستشفى. مدارس الأونروا قصفت، العائلات أبيدت بالكامل، وحتى سيارات الإسعاف كانت أهدافًا مباشرة. - القتل الممنهج:
القنص العشوائي في مسيرات العودة، تصفية الأسرى، استخدام أسلحة محرّمة دوليًا، تدمير البنية التحتية بالكامل، تشريد العائلات، كلها جرائم موثقة، ورغم ذلك، لم يُحاسب أحد.
لكن الشعب لم ينكسر..
رغم كل هذا البطش، بقي الشعب الفلسطيني عنوانًا للثبات، لا يركع، ولا يستسلم.
جيلٌ بعد جيل، يحمل راية الأرض والهوية، من حجارة الانتفاضة الأولى إلى أنفاق غزة، من الطفلة عهد التميمي إلى المرابطات في الأقصى، من صواريخ المقاومة إلى أكف الدعاء في المساجد.
شعبٌ يرى في كل شهيد طريقًا للحرية، وفي كل بيت مهدّم جدارًا للعزة، وفي كل محنة بشارة نصر.
الإيمان بالنصر وعد رباني
أهل فلسطين لا يقاتلون وحدهم. هم يتوكلون على الله، يؤمنون بوعده:
“ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين” (آل عمران: 139)
ويعلمون أن ساعة النصر قد تتأخر، لكنها آتية:
“وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوا فِي ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ” (القصص: 5)
فلسطين… ليست وحدها
القضية الفلسطينية ليست شأنًا فلسطينيًا فقط، بل قضية كل حر في العالم. واجب على كل مسلم وعربي وإنسان صاحب ضمير أن يُحيي القضية في قلبه، وكلمته، وفعله، فالصمت خيانة، والخذلان عار.
وفي الختام…
فلسطين ستبقى. والمحتل إلى زوال، مهما طال ليله.
الشعب الفلسطيني صامد، مرابط، مؤمن، يرفض الذل، ويُبشّر بالنصر.
ولنا في التاريخ والقرآن والأرواح التي ترتقي في غزة، دليل واضح أن فجر النصر يقترب، ويوم يعود الأذان حرًا من مآذن الأقصى ليس ببعيد، بإذن الله.